-->

تأثير الغزو الثقافي على المجتمعات العربية

تأثير الغزو الثقافي على المجتمعات العربية


عندما يُسأل أي شخص عن الاستعمار، فإن أوّل ما يتبادر إلى ذهنه هو التوغّل التقليدي، ويمكن تعريفه بأنه فرض سيطرة دولة قوية على دول ضعيفة والتحكم في مصير شعبها. وفيما يتعلّق بالتوغّل التقليدي، فقد تم اكتشاف هذا النوع من الغزو منذ القدم، حيث احتلّت الحضارة اليونانية مناطق آسيا الصغرى وأقامت مستعمرات فيها.

تأثير الغزو الثقافي على المجتمعات العربية
تأثير الغزو الثقافي على المجتمعات العربية


وظهرت في العصور الوسطى بعض القوى الاستعمارية مثل البرتغال وهولندا. وفيما بعد ظهرت إمبراطوريتان قويتان وتمتلكان مستعمرات واسعة في العالم، وهما الإمبراطورية البريطانية المُعروفة بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وفرنسا. وأخيرًا ظهرت أمريكا والاتحاد السوفيتي، التي أصبحتا في العصور الحديثة قوتين رئيستين في العالم. وسيتم الآن ذكر مظاهر الغزو الثقافي.

مفهوم الغزو الثقافي

بعد ذكر مفهوم الغزو، والذي يمكن تسميته بالاستعمار الاستيطاني، وهو الشكل الأشهر من أشكال الغزو، وهناك أشكال عدة للاستعمار، منها: الاستعمار الاستيطاني، والذي تم تعريفه سابقًا، والوصاية والانتداب، والمعاهدات غير المتكافئة، والغزو الفكري والثقافي، وسيتم التركيز على مظاهر الغزو الثقافي وتعريفه وأسبابه، وقبل الحديث عن مظاهر الغزو الثقافي، يجب ذكر مفهوم الغزو الثقافي، فيمكن تعريفه بأبسط صورة بأنه: فرض ثقافة المستعمر على المستعمَر، ويمكن تعريفه أيضًا بأنه: شكل من أشكال الاستعمار أو الإمبريالية وأخطرها، والذي يتم فيه سلخ المستعمَر عن هُويته، وطمس تاريخه، وقد تم تعريفه من قبل الكاتب محمد مرسي بأنه: "أن تقوم أمةٌ من الأمم بالسعي لتغيير مناهج التربية والتعليم لدولة من الدول، فتطبقها على أبنائها وأجيالها، فتشوّه بذلك فكرَهم، وتمسخ عقولَهم، وتخرج بهم إلى الحياة.

وبشكل عام، يُعَتَبَرُ الوطن العربي أحد أكبر ضحايا آثار الغزو الثقافي. حيث ركز العديد من الأدباء في المشرق العربي والإسلامي انتباههم على آثار الهجوم الثقافي في استهداف الإسلام. فبالنسبة لبعضهم، يرون أن هذا الغزو يهدف إلى إقناع العرب بأنهم متخلفون وجاهلون، ويرتبطون بعادات قديمة، ودين يقيدهم. وهذا يؤثر سلباً عليهم ويدفع بعضهم إلى تبني العلمانية والليبرالية وغيرها من الاتجاهات التي تعد نتيجة مقنعة للعرب.

مظاهر الغزو الثقافي

بعد معرفة مفهوم الغزو الثقافي، سوف نذكر الآن عدة أمثلة على هذا الغزو، والتي تعتبر أهم ما تم توثيقه في التاريخ القديم والحديث من مشاهد للغزو الثقافي. يُعتبر غزو الحضارة الرومانية واحدًا من أوائل أمثلة الغزو الثقافي، حيث عندما احتلت إيطاليا، بدأت تجذب شعب إتروريا عبر استبدال اللغة الأترورية باللاتينية، مما أدى إلى اندثار تلك اللغة وعناصر الحضارة الأترورية بشكل عام. وليس هذا فقط، فقد فرضت الإمبراطورية الرومانية ثقافتها على مناطقها المختلفة، ولو كان ذلك بالقوة والقهر. ومن بين هذه المثالية الغزو الثقافي للإمبراطورية الرومانية للإمبراطورية اليونانية، حيث استبدلت تلك الأخيرة ثقافتها بثقافة الإمبراطورية الرومانية.

في العصر الحديث، يظهر الغزو الثقافي من خلال حكم الإمبراطورية البريطانية، حيث قامت بإرسال جمعيات التبشير لنشر المسيحية الكاثوليكية. كما فرضت مناهج دراسية على المستعمرات بطريقة تتوافق مع أهدافها ومصالحها. ووفقًا لموراغ بيل، كانت الإمبراطورية تروج لنفسها من خلال الكتب والمواد التعليمية ونهج التدريس، وكان هذا جزءًا من سياسة تعليمية تهدف إلى الهيمنة الثقافية. ويعتبر هذا أحد أبرز أشكال الغزو الثقافي في العصر الحديث.

وسائل الغزو الثقافي

بالرغم من أن الغزو الثقافي لا يستخدم القوة العسكرية والأسلحة الحربية، إلا أنه يمتلك وسائل تُعدّ من بين أقوى أنواع الغزو وأشكاله. فهي تتسلل إلى أعماق المجتمع المستهدف وتقطعهم عن تاريخهم ومعتقداتهم وأفكارهم، مما يؤدي بهم إلى أن يكونوا أتباعاً مطيةً دون تفكير. لذا، يُذكَر أهم وسائل الغزو الثقافي:

  • الإعلام: بما أن الغرب يسيطر على جوهر الأمور وهو وسيلة الإعلام، فمن ينظر إلى ذلك يدرك مدى سيطرة قوى الشر عليها. فهي تحمل بصراحة إلى الانحراف والإثم والجنون، وتُبث فيها الشكوك التي تضعف إيمان الناس، وتشجع على نشر الفساد. كل هذه الإجراءات لا تهدف إلا للقضاء على فكر المستعمَر.
  • الاستشراق: تتمثل هذه الدراسة في استكشاف الغربيين للشرق وتفحصهم لعلومه وأديانه المختلفة، بما في ذلك الإسلام، ويرتبط هذا بأهداف متعددة، من أبرزها التشويه والضعف الني يستهدفان الإسلام وأتباعه.
  • العولمة الثقافية: باختصار، يتم فرض الثقافة الغربية من خلال المنظمات والمؤتمرات الدولية ووسائل الإعلام المختلفة. على الرغم من أن العولمة لها فوائد في التكنولوجيا والاتصالات بشكل عام، إلا أن لديها جوانب خطيرة في السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
  • التنصير: أو ما يسمى بالتبشير، والذي تم ذكره سابقًا، هو فعل قام به الغربيون حيث استغلوا الفقر والجوع المنتشرة في بعض مناطق إفريقيا، وقدموا لهم طلة لطيفة ومزيفة، بهدف إقناعهم بالانتقال إلى الديانة المسيحية والتحول إليها.

عوامل الغزو الثقافي

بعد المناقشة حول ظواهر الاستعمار الثقافي ووسائله، سيتم الآن ذكر أسباب ومبررات الاستعمار الثقافي، وبشكل خاص للمسلمين، حيث يعد الفرد المسلم هو الهدف الأساسي لهذه الحركة الاستعمارية غير المباشرة، وتعتبر ظواهر الاستعمار الثقافي دليلا قاطعا على صحة هذه القول، ومن بين الأسباب والدوافع التالية:

الدافع الديني

وهذا ما أثاره رجال الكنيسة في شعوب أوروبا، حيث قاموا بتصنيع أكاذيب رهيبة حول المسلمين، وتحريض المسيحيين بشكل مكثف على تحرير مهد المسيح من أيدي الكفار - أي المسلمين -، وكان هذا هو الدافع الأول لفرض الثقافة والديانة المسيحية.

الدافع الاستعماري السياسي

بدأت حركة الغزو الثقافي من خلال محاولة ضرب المسلمين بالكلمة، بعد الهزيمة في الحروب الصليبية، وبدأوا في ترجمة القرآن والسنة وعلوم المسلمين لكشف الثغرات التي يمكنهم استغلالها لتثير الشبهات. وأعلنوا صراحة أن الإسلام هو عدوهم الأول، وأن هدفهم الرئيسي هو ضرب وتدمير أساساته، وذلك عن طريق الغزو الفكري وليس الاستيطاني.

التقدم العلمي عن الغرب

قد تمتلك الدول الغربية تفوقًا علميًا مهمًا، مما يعني أنها تتمتع بتقدم مادي كبير، وتمتلك روح عملية قوية في التعامل مع المشكلات سواء في الدراسة أو في التنفيذ. وبدون شك، فإن هذا التقدم العلمي المذهل للدول الغربية، يخدم أفكار الهيمنة الاستعمارية لديها.

الضعف الفكري والتفكك عند المسلمين

تجزأ الشريعة المجتمعية نتيجة للضعف الذهني، حيث أن الضعف الذهني لا يكشف عن خطورة الانزلاق إلى الهاوية. وتعتبر المجتمعات الإسلامية معروفة بمعاناتها من التجاذبات الطائفية المتعددة والصراعات العقائدية المتحامية وتعدد التوجهات والمنافسات الغير ثقافية، التي تستند إلى أساس قومي أو ديني في هذا المجتمع أو ذاك، مما يسهل عملية التأثير الثقافي.